التهابات الاذن

الأذن أداة السّمع عند الإنسان السليم وأداة البصر لدى الأعمى الذي يرى بأذنيه ويحس بهما كل شيء كالمبصر تماما..، وسنتحدث اليوم عن احد الالتهابات المزمنة، التي تصيب منطقة الأذن الوسطى فتلحق أضرارا بالغة فيها، وقد تؤدي إلى فقدان حاسة السمع، إنه التهاب الأذن الوسطى..، الذي هو من الأمراض الشائعة بين الأطفال

يصاب بها الطفل بمعدل مرة كل سنة، لكن عدد مرات الإصابة به تتناقص تدريجيا مع تقدم العمر، كما تكثر الإصابة به بعد الرشح والزكام؛ حيث يشكو الطفل من ألم شديد في الأذن، ويصاب الطفل الرضيع بارتفاع في درجة الحرارة، وصعوبة في الرضاعة، ويبكي بشدة وخاصة في الليل..، وأغلب حالات الالتهاب عند الأطفال تشفى دون أي مشاكل، لكن المشاكل تظهر إذا تكرر الالتهاب ولم يعالج بالوقت والشكل المناسبين، فقد تتفاقم إلى ضعف السمع ومشاكل أخرى.

فما أسباب هذا الالتهاب؟ وكيف يحدث؟ وكيف نحمي أطفالنا منه؟ وما العلاج المناسب إذا لم تفلح الوقاية؟

قبل البدء بالحديث عن الالتهاب نحب أن نمهد أولا بالحديث عن الأذن.

أولا: أجزاء الأذن الرئيسية

تتكون الأذن البشرية من ثلاثة أجزاء هي:

1. الأذن الخارجية: وهي الجزء الظاهر للعيان على جانبي الرأس، تجمع الأمواج الصوتية إلى داخل القناة السمعية ثم إلى غشاء الطبلة فتذبذبه.

2. الأذن الوسطى: وهي عبارة عن تجويف يحوي ثلاث عظيمات، تنقل الذبذبات من الغشاء الطبلي إلى الأذن الداخلية، وللأذن الوسطى أهمية خاصة؛ فإلى جانب نقلها الموجات الصوتية من غشاء الطبلة إلى الأذن الداخلية تقوم بموازنة الضغط داخل الأذن مع الضغط الجوي الخارجي عن طريق قناة إستاكيوس.

3. الأذن الداخلية: ويوجد بها عضو السمع في القوقعة الحلزونية الشكل، الذي ينقل الاهتزازات الصوتية إلى الدماغ.

كيف يحدث التهاب الأذن الوسطى؟

يحدث التهاب الأذن الوسطى بسبب الإصابة بأنواع من الفيروسات أو البكتيريا، ومعظم حالات التهاب الأذن الوسطى تحدث بسبب أنواع ثلاثة من البكتيريا هي:

1. ستربتوكوكس نيموني Streptococcus pneumoniae

2. هيموفيلس انفلونزى Haemophilus influenzae

3. موراكسيلا كاتاراليس Moraxella catarrhalis

حيث تنقل هذه البكتيريا أو الفيروسات من منطقة الحلق والأنف إلى الأذن الوسطى عبر قناة إستاكيوس، وهذا يؤدي إلى انسداد القناة بسبب احتقانها فتتجمع الميكروبات في الأذن الوسطى، وبالتالي يحدث التهاب الأذن الوسطى الحاد.

وتوضح الدراسات أن بكتيريا ستربتوكوكس نيموني تسبب ما نسبته 35% من الالتهابات البكتيرية، وأن 23% من الالتهابات تسببه بكتيريا هيموفيلس انفلونزى، وما نسبته 14% تسببه بكتيريا موراكسيلا كاتاراليس، ونسبة 28% المتبقية تسببه أنواع أخرى من البكتيريا أو الفيروسات أو قد تكون بدون سبب معروف.

أعراض التهاب الأذن الوسطى

تختلف الأعراض المصاحبة للإصابة بالتهاب الأذن الوسطى بين طفل وآخر، وتتفاوت بحسب عمر الطفل، لكن المهم أن ملاحظة أي منها توجب مراجعة الطبيب للتأكد من وجود التهاب ويمكن إجمال أهم هذه الأعراض بما يلي:

• من أوضح علامات التهاب الأذن الوسطى الارتفاع الكبير في درجة حرارة الطفل وخاصة عند صغار السن، مع الشعور العام بالإعياء.

• يرافق ذلك ألم الأذن الحاد والشديد، ويعبر الأطفال الصغار عن ألمهم بالبكاء الشديد، وتنتج هذه الالآم الشديدة نتيجة تجمع الصديد في الأذن الوسطى مما يحدث شدا عنيفا على طبلة الأذن.

• حكة شديدة بالأذن فنجد الطفل يضغط أو يشد أو يحك أذنه باستمرار.

• بكاء الرضيع المستمر أثناء الرضاعة، لأن عملية الرضاعة تزيد من الضغط داخل الأذن مما يؤدي إلى مزيد من الألم.

• البكاء الشديد والهياج خاصة بالليل عند الأطفال الذين لا يستطيعون وصف ألم الأذن، ويفقد الطفل قدرته على النوم.

• الإسهال والقيء والنوبات العصبية والتشنجات، وهي أعراض تتفق مع أعراض النزلات المعوية.

• خروج إفرازات بيضاء وصفراء من الأذن؛ حيث يلاحظ خروج سائل أصفر من الأذن بعد فترة من الألم عند الطفل، وغالبا ما يزول الألم بعد خروج هذه الإفرازات.

• سيلان الأنف أو احتقانه.

• قد يلاحظ أن الطفل يضرب رأسه في الوسادة أو يحرك رأسه يمينا ويسارا أو يحك أذنه بشدة، ويستطيع الطفل بعد العامين من عمره أن يعبر عن الامه فنراه يمسك بأذنه المصابة ويشير إلى موضع الألم.

• يفقد الطفل المصاب بالتهاب الأذن شهيته للطعام ويرفض الأكل.

• يلاحظ على الأطفال كبار السن سرعة الغضب أو الانفعال، كذلك يلاحظ أنهم يطلبون رفع صوت التلفاز، ولا ينتبهون عند مناداتهم بأسمائهم.

• بكاء الطفل بطريقة غير طبيعية أثناء إصابته بالرشح.

• في بعض الحالات قد يكون ضعف السمع العرض الوحيد الدال على التهاب الأذن الوسطى؛ حيث يلاحظ أن الطفل لديه ضعف في السمع خلال فترة التهاب أذنه وبعدها لعدة أسابيع، وذلك بسبب تجمع السوائل في الأذن الوسطى، ويعود السمع طبيعيا بعد زوال السائل من الأذن.

أهم العوامل المسببة لالتهاب الأذن الوسطى:

• يصاب الأطفال خلال السنوات الثلاث الأولى بالتهاب الأذن الوسطى، لأن قناة إستاكيوس عندهم(وهي قناة ضيقة قصيرة تربط الأذن الوسطى بالحلق) تكون قصيرة وضيقة وأكثر استقامة من البالغين، وهذا يسهل انتقال البكتيريا أو الفيروسات عبر قناة استاكيوس إلى الأذن الوسطى.

• إصابة الأطفال المتكررة بأمراض الجهاز التنفسي العلوي مثل نزلات البرد والرشح والإنفلونزا، وكذلك إصابة الأطفال بالحمى مثل الحصبة أو النكاف..، هذا يؤدي إلى انسداد في قناة إستاكيوس بسبب احتقانها فتتجمع الميكروبات في الأذن الوسطى مسببة الألم مع تكون الصديد.

• التهاب اللوزتين المتكرر والتهاب الجيوب الأنفية الحاد والمزمن، وتضخم اللحمية خلف الأنف.

• نقص المناعة عند الأطفال خاصة خلال فترة التسنين(ظهور الأسنان) .

• إصابة بعض الأطفال بأمراض الحساسية فيكونون أكثر عرضة للإصابة.

• ومن الأسباب المهمة لإصابة الطفل بالتهاب الأذن الوسطى الوضعية الخاطئة لإرضاع الطفل، خاصة إذا كانت الرضاعة صناعية حيث ترضع الأم طفلها وهو في وضع أفقي، وهذا معناه تسرب بعض الحليب إلى الأذن الوسطى عن طريق قناة إستاكيوس التي تفتح مع البلع أثناء الرضاعة.

العوامل المساعدة على حدوث التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال

من الممكن أن يصيب التهاب الأذن الوسطى أي شخص بأي عمر، ولكن هناك بعض العوامل التي تجعل إصابة الأطفال أكثر من غيرهم، ومن أهم هذه العوامل:

• التدخين، حيث تزداد احتمالات الإصابة بالتهاب الأذن الوسطى عند الأطفال عندما يكون أحد الوالدين أو كلاهما مدخنا.

• العمر، تكثر الإصابة عند الاطفال الصغار قبل بلوغهم سن الثالثة؛ حيث يصاب به حوالي 85% من الأطفال، وسبب هذه النسبة العالية هو أن قناة إستاكيوس عند الأطفال تكون أقصر وأضيق وأكثر استقامة منها عند البالغين، وبالتالي يسهل مرور الجراثيم من التجويف الفمي إلى الأذن بسهولة، كذلك فإن صغر عمر الطفل المصاب يعني- غالبا- تكرر المرض لديه.

• الجنس، حيث يصاب بالتهاب الأذن الوسطى الذكور أكثر من الاناث، والسبب غير معروف.

• الرضاعة الصناعية (الإرضاع بالزجاجة) ، فمن الثابت أن هؤلاء الأطفال معرضون للإصابة بنسبة أكبر من الذين يرضعون رضاعة طبيعية، وذلك بسبب وضعية إعطاء زجاجة الحليب للطفل وهو مستلق على ظهره، لذلك يجب على الأم التي ترضع طفلها بالزجاجة أن تبقي رأسه بمستوى أعلى من مستوى معدته لمنع تسرب الحليب إلى الأذن الوسطى، علاوة عن أن الرضاعة الطبيعية تخفف من الإصابة بالرشح بما تقدمه من مناعة الرضيع.

• تكرر الإصابة بنزلات البرد والرشح والالتهابات الفيروسية.

• الإصابة بأمراض الحساسية الأنفية تجعل الأطفال المصابين بها أكثر عرضة للإصابة بالتهاب الأذن الوسطى بسبب احتقان الطرق التنفسية.

• العامل الوراثي، حيث تتكرر الإصابة بالتهاب الأذن عند بعض العائلات أكثر من غيرها، فإذا أصيب الأب- مثلا- في صغره بالتهاب متكرر فمن المتوقع أن يصاب الابن كذلك.

• الولادة بوزن دون المعدل الطبيعي وأطفال الخداج.

• تجمعات الأطفال كما في دور الحضانة أو المدارس تلعب دورا في الإصابة بالتهابات المجاري التنفسية العلوية، فيصاب الأطفال بالرشح والزكام، وهذا بدوره يؤدي للإصابة بالتهاب الأذن لاحقا.

مضاعفات الإصابة بالتهاب الأذن الوسطى

قد يتهاون البعض في علاج التهاب الأذن لدى طفله خاصة إذا كان متكررا، وهذا التهاون إلى جانب العلاج غير المناسب يؤدي إلى تطور الحالة وبالتالي إصابة الطفل بـ:

1. ضعف مؤقت في السمع؛ لأن السوائل تتجمع في الأذن الوسطى أثناء الالتهاب فتمنع انتقال الصوت في الأذن.

2. تأخر في قدرة الطفل على الكلام وتعلم اللغة؛ لأن الطفل يتعلم بداية عن طربق الاستماع للآخرين، وبسبب ضعف السمع الذي لديه يتأخر بالتالي تعلمه.

3. في حالات نادرة قد يؤدي التهاب الأذن المتكرر وغير المعالج بطريقة صحيحة إلى فقدان القدرة على السمع (الصمم التام) ، لأن تكرار الالتهاب قد يؤدي إلى تثقيب طبلة الأذن والتهاب عظم الأذن أو العصب السمعي.


علاج التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال

العلاج المناسب في الوقت المناسب يجنب الطفل الكثير من المضاعفات التي ذكرناها سابقا، لذلك إذا شكا الطفل من أي ألم في أذنيه يجب مراجعة طبيب الأطفال في الحال، حيث سيفحص الطفل ويشخص حالته وبناء على ذلك يصف العلاج المناسب، لذا يجب على الوالدين مراقبة طفلهما عن كثب ومتابعة الطبيب حتى لا تحصل أية مضاعفات، ويختلف العلاج من طفل لآخر حسب نوع الالتهاب سواء كان بكتيريا أو فيروسيا أو بسبب وجود احتقان، ويشمل علاج التهاب الأذن الوسطى عند الأطفال ما يلي:

• المضادات الحيوية المناسبة للطفل، ففي أغلب الحالات يصف الطبيب المضادات الحيوية التي تعمل على قتل أو إيقاف البكتيريا المسببة لالتهاب الأذن، ونذكر بضرورة الالتزام بالدواء طوال فترة العلاج حتى لو شعر الطفل بتحسن في بداية العلاج؛ لأن إيقاف الدواء قبل نهاية الكمية الموصوفة طبيا سيؤدي إلى انتكاس المريض من جديد، كما يجب تناول الجرعات في مواعيدها المحددة، وقد تعطى المضادات الحيوية عن طريق الفم لمدة 5-10 أيام حسب المضاد المستخدم، وقد يعطى المضاد على شكل حقنة (إبرة) واحدة فقط.

• يمكن إعطاء خافضات الحرارة ومسكن الألم في حال ارتفعت درجة حرارة لدى الطفل (زادت عن 39 درجة مئوية) مثل مركبات الباراستامول أو الإيبوبروفين أو البانادول.

• استخدام مزيل الاحتقان؛ إما عن طريق الفم أو على هيئة قطرات في الأنف للتخفيف من حدة الالتهاب.

• تجب مراجعة الطبيب بعد يومين من إعطاء الدواء إذا لم يتحسن الطفل بشكل واضح، أو إذا شوهدت أي أعراض جانبية للدواء مثل الإسهال أو الاستفراغ، أو الحساسية التي من أهم علاماتها صعوبة التنفس، أو ظهور طفح جلدي أو انتفاخ في الوجه أو الفم أو الرقبة أو الأيدي أو الأرجل.

• يمكن وضع كمادات ماء دافئة على أذن الطفل للتخفيف من حدة الألم والتورم، مع ضرورة إبعاد هذه الكمادات عن الأذن بعد عشرين دقيقة؛ لمنع الإصابة بالحرق.

• في حالة الالتهابات المتكررة يمكن إعطاء الطفل علكة خالية من السكر أو بالونا ليقوم بنفخه.

• العلاج الجراحي الذي يلجأ إليه عند تكرار الالتهاب واستمرار الأعراض، أو بسبب عدم الاستجابة للعلاج الطبي، حيث يحول الطفل إلى اختصاصي أنف وأذن وحنجرة يقوم بإجراء شق جراحي صغير في طبلة الأذن Myringotomy تحت التخدير العام للسماح بتصريف السوائل المحتبسة داخل الأذن الوسطى وتقليل الضغط والألم، ومن ثم تلتحم الطبلة مرة أخرى بدون أن يتأثر السمع في أكثر الحالات.

• ويمكن أن يضع الطبيب- بعمل جراحي- أنبوبا صغيرا جدا myringotomy tube في طبلة الأذن لتهوية الأذن وتسريع إزالة السوائل منها.

وأخيرا نقول إن العلاج المناسب السريع يجنب الطفل مضاعفات مؤلمة قد يكون إحداها الصمم الدائم، ونذكر بضرورة مراجعة طبيب الأطفال عند ملاحظة أي أعراض لالتهاب أذن الطفل.

الوقاية من التهابات الأذن الوسطى

في بعض الحالات قد يكون من الصعب منع حدوث التهاب الأذن بسبب الطبيعة الخلقية لقناة إستاكيوس في هذه المرحلة من العمر التي تكون ضيقة وقصيرة، ولكن هناك بعض الأمور التي نستطيع بها التقليل من عدد مرات تكرار المرض أو تفادي الإصابة به ومنها:

• إرضاع الطفل من الثدي خلال الأشهر الستة الأولى من العمر على الأقل، فهناك مضادات للجراثيم في حليب الأم تقلل من الإصابة بالتهابات الأذن.

• تجنب إرضاع الطفل الذي يرضع بالزجاجة وهو مستلق على ظهره؛ لأن ذلك قد يسبب دخول الحليب والإفرازات الأخرى إلى الأذن عبر قناة إستاكيوس فتصبح هذه السوائل وسطا مناسبا لتكاثر البكتيريا، لذلك يجب إرضاع الطفل وهو بوضع أفقي لتجنب تسرب الحليب، وبالنسبة للأطفال الكبار فيمكن النوم على وسادة(مخدة) إضافية لرفع مستوى الرأس.

• إبعاد الأطفال عن دخان السجائر، لأن التدخين السلبي يزيد من تكرار التهاب الأذن ومن شدته.

• تقليل فرص الإصابة بالتهاب الأذن، عن طريق إبعاد الطفل عن كل مريض بالرشح أو الإنفلونزا، لأن أغلب التهابات الأذن تأتي بعد نزلات البرد.

• علاج الأطفال المصابين بأمراض الحساسية الأنفية؛ لأنهم أكثر عرضة للإصابة بالتهاب الأذن الوسطى بسبب احتقان الطرق التنفسية.

• علاج التهاب الأنف والجهاز التنفسي، واستئصال اللوزتين واللحمية إذا كانت من العوامل المتكررة التي تؤدي إلى حدوث الالتهاب.

ليست هناك تعليقات: